في لحظات معينة من عمر الأمم، تتوقف عقارب الزمن قليلًا… لتفسح المجال للتاريخ كي يُكتب من جديد.
هكذا بدت مدينة شرم الشيخ في تلك الليلة… مدينة السلام التي احتضنت القادة والزعماء من مختلف أنحاء العالم في قمة شرم الشيخ للسلام.
السماء هادئة… والأرض تنبض بأمل شعوبٍ أنهكتها الحرب، لكنها لم تفقد إيمانها بأن لمصر الكلمة الفصل حين تتحدث لغة الحكمة.
في شرم الشيخ، لم يكن الحديث عن وقف نارٍ عابر أو هدنة مؤقتة، بل عن بداية زمنٍ جديد للمنطقة… زمن يُكتب بالحبر المصري، ويُدار بعقل استراتيجي يقوده عبد الفتاح السيسي، رئيس اختار أن يضع بلاده في قلب المشهد لا على هامشه، وأن يجعل من صوت العقل ركيزة لتغيير معادلات القوة في الشرق الأوسط.
هي لحظة تشبه عبور أكتوبر… ليس بالمدافع هذه المرة، بل بالحنكة السياسية.
لحظة يتقاطع فيها التاريخ مع الجغرافيا… لتقول مصر من جديد: «لا سلام في هذه المنطقة إلا على أرضها… ولا استقرار إلا بكلمتها».
*قراءة استراتيجية للمشهد*
قمة شرم الشيخ لم تكن مجرد احتفال دبلوماسي، بل حدثٌ استراتيجي أعاد ضبط إيقاع التعامل الدولي والإقليمي مع ملف قطاع غزة.
القمة التي شارك فيها الرئيس السيسي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ووقّع خلالها الوسطاء — مصر وقطر وتركيا — مع الولايات المتحدة الأمريكية وثيقة وقفٍ وإطار إعادة إعمار، جاءت عقب صفقة تبادل أسرى وجُثامين وبتزامنٍ مع عودة عدد من الرهائن إلى إسرائيل.
هذه الحقائق الميدانية لم تخرج من سياقها التاريخي فحسب؛ بل شكّلت قاعدة لانطلاق مرحلة جديدة من الضمانات الدولية والإقليمية.
*مصر من إدارة الأزمة إلى صناعة التوازن*
منذ اندلاع الحرب في غزة، تصرفت مصر بمنهج استراتيجي هادئ ودقيق.
لم تكتفِ بمحاولات وقف النار، بل وضعت تصورًا كاملاً للمرحلة التالية:
احكام الامن علي الحدود .
آليات سياسية واضحة.
جدول زمني للتسوية وإعادة الإعمار.
وضمانات دولية قابلة للتنفيذ.
لقد أدركت القاهرة أن السلام لا يُفرض من الخارج، بل يُصنع على الطاولة… وبأيدٍ تعرف طبيعة المنطقة وتفاصيلها. وهذا تحديدًا ما ميّز الدور المصري عن كل المحاولات السابقة.
**الرئيس السيسي… تكتيك الهدوء وذكاء التوقيت*
ما فعله السيسي في هذه الأزمة لم يكن مجرد تحرك دبلوماسي، بل مناورة استراتيجية محسوبة.
فالرئيس القادم من قلب المخابرات الحربية المصرية يتقن لعبة التوقيت والرسائل الهادئة.
أدار الأزمة في مسارين متوازيين:
سياسي: عبر بناء تحالفات دولية وإقليمية أعادت للقاهرة مركزها القيادي.
أمني: من خلال حماية الأمن القومي المصري ومنع تمدد الصراع إلى الحدود.
بهذه المقاربة، لم تنتظر مصر ما يُملى عليها من عواصم القرار… بل أصبحت هي العاصمة التي تُصنع فيها القرارات.
**إسرائيل… بين الضغط والاضطرار*
من الزوايا الجديدة التي تكشفها هذه القمة أن إسرائيل لم تعد تتحرك بالثقة المطلقة التي كانت سمة مواقفها السابقة.
فالحرب استنزفت قدرتها، والضغوط الدولية — خصوصًا من الإدارة الأمريكية — دفعتها إلى القبول باتفاق بشروط لم تكن لترحب بها قبل شهور.
غياب بنيامين نتنياهو عن القمة لم يكن إلا مناورة داخلية لتقليل الرمزية السياسية، لكنه لم يمنع توقيع الوفد الإسرائيلي على اتفاق يعكس تغيّر ميزان الضغط في المنطقة.
**واشنطن والقاهرة… تحالف الضرورة*
القمة أظهرت بوضوح أن مفتاح الاستقرار في الشرق الأوسط لم يعد في واشنطن وحدها.
فالقاهرة اليوم تمسك بمفاتيح الأمن الإقليمي، وواشنطن تدرك أن أي تسوية لا يمكن أن تمر دونها.
هذا التحالف ليس تحالفًا عاطفيًا، بل تحالف مصلحة وواقعية سياسية.
**ضمانات ما بعد الاتفاق… المعركة لم تنتهِ*
اللحظة الأصعب تبدأ بعد التوقيع.
فالضمانات المصرية – الأمريكية، وشبكة الترتيبات الأمنية، ستُختبر على الأرض خلال الأشهر المقبلة.
أي خلل في التزام إسرائيل بالاتفاق قد يعيد خلط الأوراق.
لكن القاهرة لا تبدو قلقة… لأنها لم تراهن على حسن النوايا، بل على قوة أوراقها السياسية والأمنية.
**مصر والنهضة… قوة الدولة تعزز صوتها*
النهضة العسكرية والاقتصادية والسياسية التي شهدتها مصر في السنوات الأخيرة جعلتها تمتلك أدوات ضغط وتأثير لم تكن متوفرة قبل عقد من الزمن.
فعندما تتحدث القاهرة اليوم، فإنها تفعل ذلك من موقع قوة، لا من موقع الحاجة.
**ما بعد شرم الشيخ… شرق أوسط متعدد الأقطاب*
ربما الأهم في هذه اللحظة أن الشرق الأوسط يدخل مرحلة جديدة:
لم تعد إسرائيل القوة الوحيدة المهيمنة.
لم تعد واشنطن اللاعب الأوحد.
برزت مصر كلاعب مركزي يملك القدرة على موازنة القوى وفرض أجندة واقعية للسلام.
كما أن الأطراف الفلسطينية أصبحت تمتلك هذه المرة أرضية تفاوضية أكثر تماسكًا بفضل الغطاء المصري.
**إلى أين يتجه المشهد بعد قمة شرم الشيخ؟*
رغم الزخم التاريخي للقمة، فإن ما بعد التوقيع قد يكون أصعب من لحظة التوقيع ذاتها.
ويمكن استشراف ثلاثة سيناريوهات رئيسية:
السيناريو الأول: نجاح الاتفاق وترسيخ الاستقرار
في هذا السيناريو، تنجح مصر وواشنطن في تثبيت وقف إطلاق النار عبر ترتيبات أمنية محكمة، وضمانات سياسية واقتصادية تدفع الأطراف للالتزام.
تنطلق مرحلة إعادة الإعمار في غزة.
يفتح الباب أمام مفاوضات سياسية أشمل برعاية مصرية.
تتحول شرم الشيخ إلى منصة دائمة للمتابعة الدولية.
هذا السيناريو سيعزز من مكانة القاهرة كـ«الضامن الأول» لأي تسوية إقليمية.
السيناريو الثاني: تعثر التنفيذ وعودة التوتر المحدود
في هذا السيناريو، تلتزم الأطراف مبدئيًا، لكن الخلافات حول التفاصيل الأمنية والسياسية — خصوصًا من الجانب الإسرائيلي — تؤدي إلى توترات محدودة على الأرض.
قد يحدث تباطؤ في تنفيذ بنود الاتفاق.
تضطر مصر والولايات المتحدة إلى مضاعفة الجهود الدبلوماسية.
يظل الاتفاق قائمًا لكنه هشّ.
هذا السيناريو يتطلب دبلوماسية مرنة وقدرة عالية على إدارة التناقضات.
السيناريو الثالث: انهيار الاتفاق وعودة التصعيد
وهو السيناريو الأكثر خطورة، حيث تفشل آليات الضمان أو تُستغل ثغرات الاتفاق لإعادة إشعال الصراع.
قد تُصعّد إسرائيل عسكريًا أو تندلع مواجهات داخلية في غزة.
يتراجع المسار السياسي، ويُطرح الملف من جديد أمام المجتمع الدولي.
في هذه الحالة، تتحمل القاهرة وواشنطن عبئًا سياسيًا كبيرًا للحفاظ على الحد الأدنى من التهدئة.
**مصر… حين تتحدث، يُصغي العالم*
في كل محطة مفصلية من تاريخ هذه المنطقة، كانت مصر هي الفاعل لا المتفرج… صانعة القرار لا متلقّيه. واليوم، وهي تعيد صياغة معادلات السلام من قلب شرم الشيخ، تثبت أن صوت الحكمة أقوى من صوت المدافع، وأن الدبلوماسية المصرية ليست رد فعل، بل استراتيجية راسخة تمتد جذورها من عبقرية الجغرافيا وعمق التاريخ.
لقد أدارت مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي معركة السلام كما تُدار معارك الانتصار… بصبر استراتيجي، وبحسابات دقيقة، وبحكمة تجعل من القاهرة مركز الثقل الذي تدور حوله التوازنات الإقليمية.
واليوم، يتأكد للعالم أن لا استقرار في الشرق الأوسط دون مصر… ولا سلام دون أن تكون القاهرة رمانته الذهبية.
*شرم الشيخ لم تكن مجرد قمة… بل كانت رسالة أمة، تقول فيها مصر للعالم:
*
> «هنا… من هذه الأرض، يبدأ السلام، وهنا تستيقظ إرادة الشعوب على فجر جديد».